فاتح ماي بطعم كوفيد: يا عمال الجنوب ، كل عام و أنتم بألف خير
يأتي فاتح مايو من هذا العام في ظرف استثنائي جدا، يتسم بالقلق وعدم اليقين بشأن المستقبل، بعد أن بدت مختلف الحكومات و المنظمات الإقليمية و الدولية غير قادرة على رسم توقعات واقعية لتجاوز الأزمة الوبائية الحالية. إذ كلما مرت الأيام، زاد منسوب الخوف من احتمال وقوع كارثة اقتصادية قد تؤدي إلى مزيد من المعاناة في أوساط الفئات الهشة، وتضيق هامش القوة العاملة في رفع مطالبها المتراكمة منذ سنوات.
دول منعت خروج الفعاليات النقابية للاحتفال بعيد العمل، وأخرى حذرت من التجمعات، وثالثة فرضت قيودا بالحد من عدد المشاركين في المسيرات والتجمعات احتراما لحالة الطوارئ الصحية العامة التي تتبناها الدول للحد من انتشار الوباء.
في بعض الدول التي أصرت هيئاتها النقابية على الخروج من أجل إحياء العيد العمالي، اضطرت إلى الاصطدام مع قوات حفظ النظام، ليس بسبب شعاراتها الثورية هذه المرة، ولكن بسبب عدم توافق خروجها مع الإجراءات الاحترازية المتخذة، كالتباعد الاجتماعي ومقتضيات ما بات يسمى بحالة الطوارئ الصحية.
الأعداد التي خرجت في هذا العيد العمالي التاريخي، بدت فيها أصوات العمال منهكة من شدة الصمت، وخافتة وراء الأقنعة الواقية.
في صيغة أكثر ليونة، دعت عدة قوى مهنية ونقابية بمختلف القارات الاحتفال بشكل افتراضي، يكون فيها الخروج عبر الوسائط الاجتماعية والتعبير عن المطالب افتراضيا، لعل بعضها يتحقق واقعيا وليس افتراضيا.
مطالب وشعارات العمال بدت هي أيضا مأزومة، بين من يطالب برفع الأجور، ومن يطالب بعدم الإغلاق، ومن يدعو المقاولات إلى عدم تسريح العمال بسبب الأزمة الوبائية.
أما أرباب العمل وأصحاب المقاولات، فهم أيضا منهكون بسبب انخفاض الإنتاج والاستهلاك. وفي مواجهة هذا التعقيد المتداخل ترتفع أصوات لتدعو إلى مزيد من التضامن بين العمال وأرباب العمل، حتى تنفرج الأوضاع نحو الأفضل، وتتبدد مظاهر الكرب الاقتصادي والاجتماعي الذي يخيم اليوم على كل القطاعات الإنتاجية والخدماتية بعالمنا الجنوبي، الذي يرضخ لقانون تبعية السوق منذ أكثر من خمس عقود, من أجل مواجهة التحدي القائم الآن.
تعيش بعض الدول أحداثا مضاعفة تفسد هي الأخرى طعم العيد العمالي، سواء تلك التي انهكتها النزاعات، أو تلك التي تستعد للدخول في استحقاقات انتخابية تزيد الفرقة بين الطبقة الشغيلة وتفوت عليها لحظة القول الصادح بأوضاعها، والمطالبة بالحماية الاجتماعية لهم ولعائلاتهم، في ظل أوضاع عالمية كئيبة، و كان العالم يعيش تحت ظلال سُحب زرقاء لا تعمل إلاَّ على فضح بؤسنا الوجودي في عصر كنا نتوهم فيه و نظن أن الإنسان أقوى من الطبيعة.
مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، الذي اختار لنفسه أن يكون قيمة عمومية نشطة في مجال الأبحاث و الدراسات التي تدعم السياسات العمومية، يدرك باحثوه كل هذه التحديات، و يولون من تم لقضايا قوة العمل و الرأسمال البشري أهمية كبيرة، و يعملون بجدية، ومسؤولية ويقظة، و بحس تضامني منقطع النظير من أجل تحليل الأوضاع الراهنة، و المساهمة في بلورة مقترحات عملية لتحسين الظروف العامة لسوق العمل، وظروف القوى العاملة و لمناخ الإنتاج الاقتصادي على المستوى الوطني والقاري.
لكن يبقى الأمل والحلم بغد أفضل، ضمانتنا للانتصار على هذه الآفة الوبائية ولأجل استجماع الطاقات من أجل تحقيق إقلاع اقتصادي ينسينا كآبة هذا الخريف الإنساني الذي جربناه منذ شهر يناير من العام الماضي.
ولنلتقي إذن بعد عام في مثل هذا اليوم، وكل عام والطبقة الشغيلة بألف خير.